استضافت كلية الإعلام الحديث في الجامعة العربية الأمريكية خبيرين إعلاميين فلسطينيين للحديث عن واقع الميديا العربية عام 2020 وذلك ضمن الحوارية الشهرية التي تحمل اسم "حواريات ميديولوجيا".
وقدم الخبيران تقييمهما النقدي لحالة الإعلام العربي في العام الفائت في الندوة التي حملت عنوان: "بانوراما الميديا العربية في 2020.. على صفيح ساخن!" ماذا غطت؟ وماذا همشت؟ وبأي طريقة؟".
وفي بداية الندوة رحبت عميد كلية الاعلام الحديث الدكتورة هنادي دويكات بالمشاركين، مؤكدة على أن الندوة الافتراضية الشهرية تأتي تعبيرا عن رغبة عارمة بالمواكبة وخدمة الطلبة والمجتمع ككل، والمساهمة في إثراء النقاش والحوار في كل ما له علاقة بالميديا/ والميديا الاجتماعية تحديدا، فهي تخصص فعالياتها للتحاور حول الوسيط الإعلامي ومؤسساته التي تقوم عليه ويصدر عنها، والمضمون والأثر الإعلامي أيضا.
منسق الندوة أستاذ الصحافة في كلية الإعلام الحديث الاستاذ سعيد ابو معلا افتتح اللقاء بالتأكيد على أن العام الراحل كان استثنائيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. الجائحة ومخاوف الناس وقلقها العالمي كان سمة بارزة في المشهد الإنساني.
واوضح أن محاولة قراءة "العام الراحل إعلاميا" بكل ما يحمل هذا العنوان من مساحة شاسعة يصعب الإمساك بها.. لكن الندوة بطرحها هذا العنوان تحاول أن تخلص للتعليم والمعرفة والدرس، وهي محاولة لاستعادة الزمن.. زمن هارب بكل المصائب والصعاب، لكنه مهم وجوهري لحقل الميديا الذي يتعرض لشتى أنواع التحديات.. والتحولات.
واستهل الحديث من رام الله الإعلامي والباحث صالح مشارقة، الذي يعمل مديرا لوحدة السياسات والأبحاث في مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، حيث عرض أبرز 3 مشاهد تلخص حالة الميديا الفلسطينية عام 2020.
وقال مشارقة: أن أول مشهد كان بمثابة تحول في الإعلام الفلسطيني والعربي من إعلام ثورات الربيع العربي إلى إعلام الهلع والخوف المتماشي مع السلطة الحاكمة وسياساتها، وكان من نتائج ذلك أن استسلمت وسائل الإعلام للحكومات في ظل الجائحة والمرض بطريقة مرضية.
وتابع: "نحن بحاجة إلى معرفة لماذا سيطر إعلام الهلع الذي أصاب الإعلاميين بالخرس والصمت وفقد الإعلام الهوية الثورية التي اكتسبها من ثورات الربيع العربي؟".
ولخص المحور الثاني بظهور صحافة ما بعد الحقيقة، وهو تحول تعزز حضوره في الميديا الفلسطينية عام 2020 من خلال تناوله لمجموعة كبيرة من الملفات السياسية والمجتمعية وفيه غابت المعلومة لصالح الشحن والعاطفة والشعبوية، ومن الأمثلة على ذلك تغطية فعاليات وقضايا مثل: "حراك طالعات"، و"الجدل حول اتفاقية سيداو"، و"قانون حماية الأسرة"، وأخيرا حادثة "مقام النبي موسى" في أريحا.
واكد مشارقة أن أداء الإعلام في عناوين الملفات السابقة كان سلبيا ومنفعلا ومشلولا عن القيام بالدور الإعلامي المهني.
وبين كذلك ان المحور الثالث من التحول تمثل في تنامي ظاهرة المؤثرين الذين أصبحوا فاقدي السيطرة على أنفسهم، وأصبحوا ناطقين إعلاميين بصفات أسوأ من الناطقين الرسميين الحكوميين، حيث غاب عنهم دور تأدية الرسالة باسم المجتمع لصالح خطابات العائلة والحزب السياسي.
وطالب مشارقة بالعمل على مجموعة من القضايا كنوع من تجاوز كل التحولات في المشهد الإعلامي الفلسطيني ومنها: إعادة الاعتبار لمسألة تدفق المعلومات من مصادرها لتضمن العمل الصحفي المهني الذي يمكن لها أن تشكل رأي المواطن ومعرفته، والعمل على ملف التربية الإعلامية، وصناعة الهوية الرقمية، والانتباه أكثر إلى الحقوق الرقمية للمستخدم العربي.
ومن الدوحة قدم الخبير الإعلامي الاستاذ منتصر مرعي، مدير المبادرات في معهد الجزيرة للإعلام مداخلته بالتركيز على الإعلام العربي عبر مجموعة من المشاهدات بصفته صحفيا رابطا ذلك بمداخلة الإعلامي مشارقة.
واعتبر مرعي الحدث الأبرز التي عانت منه الصحافة العربية في عام الجائحة هو فقدان الكثير من الزملاء الصحفيين المهنيين لوظائفهم في مجال الإعلام بفعل الوضع الاقتصادي الذي مرت به المؤسسات، واوضح ان أداء الصحف والقنوات والمنصات الرقمية بات في مرحلة الاحتضار بعضها أقفل والبعض سيقفل فيما بعد، مشيرا الى ان هذا حدث في قطر، لبنان، الأردن، المغرب، والسبب يتمثل في أن المؤسسات الإعلامية لم تنجح في خلق نموذج مالي مستقل بفعل استسهال الدعم من الأنظمة الحاكمة أو من رجال الأعمال".
وتابع مرعي: بعض المؤسسات حاولت استنساخ التجارب العالمية من خلال نظام بيع المحتوى من خلال الاشتراكات لكن واقع الصحافة العربية والحالة الاقتصادية العامة للمواطن لن تجعل من هذا النموذج فعالا في تجاوز المحنة الإعلامية".
وأضاف في حديثه عن الجانب الثاني من مشاهداته والمتمثل في "الاستقطاب السياسي" فهذه سمة الإعلام العربي، حيث يقوم الإعلام بممارسة السياسة أكثر من الإعلام عبر مقالات الرأي الكثيرة وذلك على حساب صحافة المعلومات، وهذا يؤثر على المواطن العربي الذي يقرأ المقالات وتوجهات الدول والحكومات أكثر مما يقرأ المعلومات.
وتحدث مرعي عن المشاهدة الثالثة حيث أكد ان هناك تحول في توجهات الإعلام الرقمي عربيا الذي نظرنا إليه على أنه فضاء الناس والمجتمع، فالأنظمة السياسية قفزت للمنصات من خلال التواجد المباشر أو من خلال شراء الصفحات أو النشطاء"، لكن مرعي وإزاء ذلك التحول يرصد تحولا جديدا يتمثل في تنامي دور منصات تم النظر إليها على أنها مخصصة للترفيه مثل: "التك توك" حيث أصبحت منصات تعمل على التغيير السياسي ومثال ذلك حراك "حياة السود مهمة".
أما حول المشاهدة الرابعة فأكد أن عام 2020 شهد تنامي لظاهرة الأخبار المفبركة التي وللأسف كان يتداولها الصحفيون الذين يعملون في مؤسسات إعلامية كبيرة، فأصبح كثير من الإعلاميين يسعون إلى الإثارة، وأصبحنا نرصد تنافسا بينهم في نشر نفس المادة بدون تكبد أي عناء للتحقق من المعلومات، وهو ما ترتب عليه أن أصبح الجمهور عرضة للإشاعات والخرافات، وتحديدا مع غياب المعلومة الموثوقة.
وختم قائلا: تعزز كل ذلك عندما اكتشفت غرف الأخبار أنها عارية علميا حيث لم يكن لديها صحفيين علميين متخصصين بحيث يكونوا قادرين على أن يلعبوا حلقة الوصل بين المجتمع العلمي الطبي والمواطنين، وهو ما عزز انتشار الإشاعات.
وحضر اللقاء العشرات من الصحفيين والأكاديميين وطلبة الإعلام والمهتمين ودار نقاس مستفيض بين الحضور وضيفي اللقاء، يذكر أن الندوة الافتراضية الشهرية "حواريات ميديولوجيا" أطلقتها كلية الإعلام الحديث من خلال تطبيق "زووم" (في ظل الجائحة)، وبثت مباشرة من خلال أثير إذاعة الجامعة 97.1 أف أم، وصفحة الجامعة العربية الأمريكية الرسمية على الفيسبوك.